فضاء حر

حكاية عن غصة القلب أيها العالم..

يمنات

مروان الحاج

هكذا يموت الشرفاء متروكين بمفردهم..
عفيف عبدالواسع شخص يعيش حياة البسطاء، رجل عظيم بأفعاله ونبيل بمواقفه وكريم بعطاءه، يحب المزاح واسعاد الاخرين، لا تفارق البسمة شفتيه، ولكن..
هل تعرفون حكايته..؟
سأخبركم..

أبلغني الأخ عادل عبدالله بأنهم نقلوه الى المستتشفى، وأنه يعاني من نقص شديد بالصفائح الدموية فصيلة O سالب, ولكنهم عجزوا عن ايجاد متبرعين بنفس الفصيلة كونها نادرة والحالة مستعجلة، وقتها تواصلت مع الدكتور ياسين عبدالملك الشريحي ذو المواقف الأنسانية العظيمة والمنقذ في الأوقات الصعبة والذي لم يتردد في مساعدتنا في كل مرة كنا نحتاج فيها للمساعدة ولا أستطيع شكره والثناء عليه هنا كون الحروف والكلمات تتقزم أمام ذلك الأنسان النبيل فكل حبي واحترامي وتقديري له؟

تحركت وقتها الى مشفى الثورة والمختبر المركزي وجمعية أصدقاء الدم بحثا عن صفائح بنفس الفصيلة ولم نستطيع الحصول عليها، كنت قد اخذت كشف لمتبرعين تاركين أرقامهم مع نوع الفصيلة عند جمعية اصدقاء الدم وقمنا بالتواصل معهم البعض اعتذر، والبعض الاخر حضر وتم توفير عدد اربع قرب حسب طلب الطبيب..
كان المريض عفيف متعب جدا ولم يستطع الصعود من على الارض الى فوق السرير فأنهمرت دموعه باكيا وتمتم ببعض الكلمات التي لم نفهمها في حينه، حاولنا تهدئته وسؤاله عن سبب دموعه فرد بأنه يبكي على حاله كيف كان وكيف صار، قال لنا; كنت قائدا في اللواء، يسوق الطقومات ويحمل الأثقال والجميع يهابه ويحترمه واليوم كيف أصبح عاجزا مسكينا ومتروكا..

أنتهينا من نقل الصفائح له فعاد له وعيه، وقام والقى علي التحية مرحبا بي واعتذر مني لانه لم يركز علي منذ البداية وبدأ يحكي لي عن صداقته مع والدي ومغامراتهم وكم كانت علاقتهم قوية، من ثم غادرنا المشفى لانهم لم يستطيعو تشخيص مرضه وكانوا في كل مرة نسعفه يطلبوا منا صفائح دموية ويفعلون له بعض المهدئات، استمر هذا لايام حتى ابلغني الاخ عادل بان حالة عفيف تتطلب العناية المركزة، وأن الأطباء قرروا ضرورة إدخاله العناية المركزة، اجريت تواصلاتي مثل كل مرة وعجزنا عن توفير سرير في قسم العناية بالمستشفيات الحكومية مما اضطررنا لنقله لمستشفى البريهي وهناك استقبلنا الدكتور رامي العزاني والذي كنت قد تواصلت به قبل وصولنا للمستفى، ففعل معنا كل ما بوسعه لمساعدتنا من تخفيضات وإستقبال للحالة خارج دوامه وعمل توصياته للحالة عند باقي الأطباء قبل مغادرته.

في مستشفى البريهي بدأنا مرحلة جديدة من الفحوصات والدوامة المعتادة من قبل اطباء اليمن الذين لا يملكون من الطب سوى ان تبدء أسمائهم بحرف الدال، طلبوا منا توفير ما لا يقل عن ثلاث او أربع قرب صفائح لكل يوم وشخصوا حالته بأنه يعاني من تضخم بالطحال والكبد ايضا وحمى الضنك، كل دكتور كان يقوم بزيارته كان يقوم بطلب عدد من الفحوصات مكلفة الثمن ومن ثم كتابة بصيرة من الأدوية الجديدة.

كانت حالة عفيف الصحية تتحسن ساعة وتسوء لساعات حتى انه في الايام الاخيرة وصل الى مرحة كان يفقد فيها القدرة عن التحكم بنفسه فأصبح يريح كل شيء على نفسه فكان الاخ عادل عبدالله و حسين عادل و انور عبدالله وولده كريم انور يتبادلون الادور لتصفيته بين الحين والاخر ، أما أنا فكنت أنشغل في الأيام الأخيرة ولم اقعد بجانبه وكنت أتي لزيارته فقط ثم أذهب ظنا مني ان ما كان يفعله على نفسه بقصد خاصة عندما كان الاخ حسين وكريم يدخلوه دورة المياه فيعود ويفعلها على نفسه مرة اخرى، بعد ذلك سائت حالة عفيف أكثر ليتم نقله الى قسم العناية في مشفى الثورة وگالعادة طلب منا الأطباء عدد من الفحوصات والادوية الجديدة.. ضل فيها حتى اليوم التالي ليخبرهم الدكتور بأنه يعاني من تليف في الكبد ولا يسطيعون إجراء تدخل جراحي له وهو في هذه الحالة وان الأمل ضئيل لمثل هكذا حالة بان تظل على قيد الحياه.. ابلغوني بهذا وانا في العيادة مع والدتي التي تعاني من عدة أمراض ويتم أجراء لها بعض الفحوصات لتشخيص مرضها..

كنت احاول انهاء الأمر سريعا لأذهب الى مشفى الثورة لزيارة عفيف والبقاء بجانبه ونفسي تحدثني هل حقا سيموت هل قرر عزرائيل زيارته و أخذ أمانته وهل أن عفيف قد أختار الرحيل بعيدا عن هذا العالم المليء بالقهر والوجع وإنعدام الضمير ليتخلص من ألم الفراق والشعور بالخذلان الذي عاشه أخر أيامه من أقرب ألمقربين له كيف لا!!
توفي عفيف.. رحمه الله، ولكن الحكاية لم تنتهي بعد..

مات عفيف بعيدا عن زوجته التي كانت قد هجرته منذ مدة نتيجة خلافات أسرية وبعيدا عن أطفاله الذين مات وهو يحلم بالنظر إليهم وأخذهم بين أحضانه وبعيدا عن إخوانه الذين ظلوا يؤجلون زيارته من يوم لأخر بسبب ظروف كانت أكبر منهم وحالة بينهم وبين أخيهم حتى فارق الحياه وأغمض جفنيه الى الأبد ، لم تمر سوى ساعة واحدة حتى اتصل بي الأخ حسين ليبلغني بان عفيف قد ماااااات..

اه ه ه كم نزل علي هذا الخبر گ الصاعقة شعرت بدوار في رأسي الدنيا ظلمت أمام عيني لم استوعب الخبر ولم اصدقه فعاجلت الدكتور لينهي بقية الفحوصات لوالدتي وأبلغته أني سأعود لاحقا لإستلام النتائج ورشدة العلاج التي سيقررها لوالدتي.

خرجت من العيادة أوصلت والدتي للمنزل التقيت بسيارة الإسعاف في جولة الصقر وعلى متنها جثة ملفوفة بخرقة بيضاء مربوطة الرأس مقيدة الكفين والقدمين مبتسمة الشفتين عاجزة عن الحركة وحولها وجوه عابسة وحزينة.. حينها أدركت حقيقة ما سمعت وأن كل ما كان يجول بخاطري قد صار حقيقة وأن عفيف قد تخلص من كل اثقال الحياة، وحيدًا دون أحد..

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى